أعلام الأندلس

لُبنى بنتُ عبدِ المَوْلَى الأندلسيةُ

لبنى بنت عبد المولى الأندلسية أو كما أشتهرت ب لبنى القرطبية التحقت لبنى بقصر الخليفة الحكم الثاني كأمة مملوكة، وتربت في القصر، غير أن ملكاتها ومواهبها العلمية كانت سبيلها للعتق والحرية لتصبح بعد ذلك من أهم الشخصيات في قصر الخليفة الحكم الثاني.

ذكرها المؤرخ الأندلسي أبو القاسم خلف بن عبد الملك المعروف باسم “ابن بشكوال”، ذكرها في كتابه “الصلة في تاريخ أئمة الأندلس ومحدثيهم”، فقال عنها:[pi_wiloke_quote quote=”لبنى كاتبة الخليفة الحكم بن عبد الرحمن.. كانت حاذقة بالكتابة، نحوية، شاعرة، بصيرة بالحساب وعلمها في الرياضيات واسع وعظيم، مشاركة في العلم، وكانت عروضية، رائعة الخط. لم يكن في قصورهم أنبل منها. توفيت سنة أربع وسبعين وثلاثمائة” author=”ابن بشكوال”]

كانت بدايات لبنى العمل ككاتبة تنسخ الكتب في مكتبة الخليفة الحكم الثاني من عام 350 إلى عام 366 هجرية.

ذلك الخليفة موسوعي الثقافة، الشغوف بالعلم والعلماء، وقد ضمت مكتبته في ذلك الحين 400000 مجلدا، شغلت مكانا فسيحا في قصر الخلافة. قامت المكتبة على إدراة دقيقة وضمت أقساما عديدة لنسخ الكتب، وأخرى للمراجعة، يراجع فيها صفوة علماء اللغة ما خطه الناسخون، فضلا عن أقسام الترجمة والتجليد، والفهرسة.

أقرأ ايضا جولة تاريخية في مكتبة قرطبة الأموية بالأندلس

كان اهتمام الحكم الثاني بمكتبته اهتماما كبيرا، فقد أرسل من رجاله من يطوفون بالبلاد باحثين عن كل جديد ونادر من الكتب التى لم يضن الخليفة بمال في سبيل اقتنائها، وقد بعث إلى أبي الفرج الأصفهاني صاحب كتاب “الأغانى” بألف دينار ذهبا خالصا ثمنا لاقتناء الكتاب، فأرسل إليه أبو الفرج نسخة منقحة قبل أن يظهر الكتاب لأهل العراق.

سرعان ما بهرت مهارات لبنى القائمين على إدارة المكتبة بجمال خطها وإتقان كتابتها، وإضافتها لما تكتب من استدراكات علمية، فارتقت في تألقها المهني والعلمي لتكون كاتبة الخليفة نفسه، تدون وثائق الدولة الرسمية ورسائلها، وتحوز على ثقته واهتمامه. وكيف لا؟ وهو العالم الموسوعي الذي يقدر العلم ويجل أهله.

توجت جهود لبنى بأن اتخذها الخليفة مديرة لأمور مكتبه. لم تكن لبنى مجرد ناسخة للعلم، بل كانت تضيف من علمها وتعلق على ما تخط من كتب، فكانت حقا -كما قال “ابن بشكوال” – مشاركة في العلم.

إن كانت موهبة لبنى في الخط والتمكن من بحر اللغة، والإبداع في الشعر، وامتلاك ناصية علم العروض لهو من ثقافات عصرها، إلا أنها نبغت في علم لم تنبغ فيه الكثيرات من قبل، فقد نبغت لبنى في المعادلات والمسائل الرياضية، واشتهرت بأنها كانت تكتشف حلولا لأصعب المعادلات الرياضية.

امنت لبنى، موسوعية العلم وعالية الهمة، امنت برسالة العلم والتعليم، فاهتمت بتعليم الأطفال الرياضيات التي أحبتها حبا شديدا، وقيل إنها كانت حين تمشي في طرقات الأندلس تسلم على الأطفال، وتحادثهم وتعلمهم مبادئ الحساب وجداول الضرب.

كثيرة هي المعاني التي تفيض نورا وإشراقا في سيرة لبنى العالمة المعلمة، فقد كانت حقا نتاج عصر تكاتفت فيه عناصر الخير المجتمعي والوعي الحضاري، فصاغ ملكاتها ومواهبها. ومثلها كثيرات من العالمات في شتى فروع المعرفة.

أقرأ ايضا الطبيبة أم الحسن الطنجالي الأندلسية

عصر فاضل، كان رب البيت فيه للعلم راعيا وللتعليم كفيلا، فلا عجب أن يسري ذلك الخير، ويثري ذلك النور أفراد المجتمع، فتنتشر المكتبات الخاصة في البيوت الأندلسية، وصار التنافس بين طبقات المجتمع العليا على اقتناء نفائس الكتب. حتى بسطاء الناس اهتموا بتدبير نفقاتهم لتوفير ما يقتنون به كتبا تضمها مكتباتهم البسيطة. فارتقت أذواقهم وتهذبت ألسنتهم. ويذكر د. الطاهر مكي في كتابه “دراسات عن ابن حزم” أنه حتى الباعة الجائلون كانوا يتغنون بأشعار راقية لجذب المشترين إلى بضاعتهم.

عندما تحققت القدوة وسرى نورها بين الناس، ارتقت المجتمعات في رخاء مادي ورقي إنساني. نفس هذه البلاد فقدت كل ذلك عندما تدنت اهتمامات رؤسائها، وتردت في الفرقة والتشرذم، وغابت في مستنقع الترف، وأكلت قلوبها بهارج الحياة المادية.

ويحفظ التاريخ كلمة ألفونسو ملك الأسبان لرسول ابن عباد حين قال: “كيف أترك قوما مجانين، تسمى خلفائهم وملوكهم بأسماء المعتضد، والمعتمد، والأمين، والمستعين، والمعتصم، وكل واحد منهم لا يسل سيفا للدفاع عن نفسه، ولا يرفع عن رعيته ضيما، ولا حيفا، وقد أظهروا الفسوق والعصيان، واعتكفوا على المغاني والحسان”.

كانت تلك مهاوي التردي، ويبقى دوما طوق النجاة في العلم والتعلم والمعلم

أقرأ ايضا الحرة حواء بنت تاشفين

أقرأ ايضا الرحالة سعد الخير الأندلسي الصيني

بقلم زينب مصطفى

السابق
هجوم الفايكنج علي إشبيلية
التالي
وصول الأندلسيون إلي الأسكندرية في مصر

اترك تعليقاً